الثلاثاء، 26 أبريل 2016

ليث الطموح

قبل أن تأذن شمسه بالمغيب..

اجتهَد اجتهادًا سديدًا..

وسعى سعيًا حميدًا..

بذل الغالي والنفيس؛ ليسجل له في الدنيا تاريخًا تليدًا..

ويترك من ورائه أثرًا طيبًا مجيدًا..

كبرت أهدافه، وعلت همَّته؛ حتى إن العناء يتلاشى بعزم من حديد..

ابتغى الغايات العُليا؛ فنال شرف حفظ كتاب الله..

فكان شامةً في جبين الأمَّة..

شنَّف الآذان بأنسام القرآن العطريَّة..

وحرَّك قلوب الملايين بقراءته النديَّة..

وأبكى العيون حينما لامسَتْ تلك الآيات حنايا الوِجدان بتلاوته الخاشعة الزكية..

كان معلمًا لطالبي الآيات الشريفة..

وعلوم القرآن العليَّة..

قرأ ففصَّل الآيات تفصيلًا..

وجوَّد فأظهر روعة المعاني القرآنية ففسَّرها تفسيرًا..

أقبل على آخرته مُدبِرًا عن دنياه..

هناؤه وسعدُه بقربه من خالقه ومولاه..

ففضَّل محرابَه على المكوث في بيته..

لعلمِه أن سعيَه سوف يُرى..

ويُجزى عليه في الآخرة الجزاء الأوفى..
وأن عمرَه محدود..
وأجلَه مكتوب..

وسيرة المرء في هذه الحياة لا تكتمل إلا بموافاة المنيَّة..

ودَّع د. محمد أيوب أهلَه، ورحل عن دار الفناء!

وأقبل على ربِّه وعلى دار البقاء..

مُخلدًا في المسامع والقلوب صوتًا صدَّاحًا لا يفنيه الزمان..

رحل ونجمُه لا زال في الآفاق ساطعًا..

رحل وخلَّف وراءه لسانَ صدق لامعًا..

رحل والدعوات من ورائه تتعالى تباعًا..

وهكذا هو رحيل العظماء (حَفَظة كتاب الله)..

رحيلهم لا يشبه أيَّ رحيل..

لأنهم:
عظَّموا أوقاتهم، فأفنوها بالقرآن..

طاب ذِكرهم؛ لأنهم جعلوا لهم من كلام الله سراجًا منيرًا..

ساروا فشقُّوا القِفَارَ؛ لأنهم جعلوا الكتاب هاديًا ودليلًا..

أعلوا بالحناجر الآيات البيِّنات..

وابتغوا بحفظه الدرجات العاليات..

وقصدوا صحبتَه؛ ليكونوا من أهل وخاصَّة ربِّ البريات..

أكرموا أرواحهم بالذكر الحكيم؛ فأكرمهم مولاهم بتتويجهم بتاج الكرامة..

ويزيدهم بلُبْسِ حُلَّة الكرامة..

رضوا العيشَ في كنف الكتاب؛ فرضي عنهم ربُّ الأرض والسموات..

فيقرؤون، ويَرْقَون.. ويزدادون بكل آية حسنة..

قال عليه الصلاة والسلام:
((يجيء القرآنُ يومَ القيامةِ، فيقول: يا ربِّ، حَلِّه، فيُلبَس تاج الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ، زده، فيُلْبَسُ حُلَّةَ الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ، ارضَ عنه، فيرضى عنه، فيقول: اقرأ، وارقَ، ويزاد بكل آية حسنة))؛ حديث حسن.

من أنت يا ليثَ الطموح أراكا 
العزُّ دربُك والثباتُ خُطاكا 
من أنت حدِّثني حديثًا صادقًا 
جَلِّ الحقيقةَ كي يعُمَّ سناكا 
من أنت لم أنظُرْ سواك مشمِّرًا 
شاء النهوض فجاوزَ الأفلاكا 
أولستَ مَن حفِظَ الكتاب تقرُّبًا 
لله جانب حفظه دنياكا 
أولستَ مَن حفظ الكتاب تقيدًا
بنصوصه، فالأجر قد أجراكا 
قالوا : بأنك قدوةٌ بين الورى 
فالله بالقرآن قد ربَّاكا 

فلله ما أعظمَ تلك النفس!
ولله ما أرقَّ ذلك القلب!
ولله ما أسمى تلك الروح!

ما أروعَها حين تعلَّقت بذلك المنهج الإيماني، والحبل الربَّاني..

حين انطلقت تترنَّم بأعذب الآيات؛ فحلقت بها بعيدًا عن غياهبِ الظلام إلى ذلك الفضاء الرَّحْب، والملكوت الأعلى..

حيث تشرق شمس الإيمان فتشق لها عن صراط مستقيم..

صراط الله الذي ارتضاه للناس جميعًا..

فتضع خطواتها ثابتة واعية لا تنحرف عن الجادَّة..

فتلتمس القوة الممزوجة ببريقِ اليقين والأمل الممزوج بالسعي الحثيث للمُضيِّ قُدُمًا، نورُ الله في قلبها، وجنةٌ عرضها السموات والأرض توقد جذوة العزم فيها؛ لتصل بها إلى هناك حيث تكون منزلتها عند آخر آية تقرؤها..

فاللهم يا ألله، ارحم شيخَنا الحافظ محمد أيوب واغفر له، اللهم اجعل قبرَه نورًا وضياء..

اللهم يا ألله، غاية مناه محرابك فبَلَّغْتَه المُنى في هذه الدار وهي للفناء؛ فاللهم بلِّغه أعاليَ سلالم الجنان، وألبسه حُلل الكرامة، وتوِّجه بتاج الكرامة..

اللهم وارضَ عنه، وأسكنه دار الرضا والرضوان، في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر..

وصية الختام:
من أراد الميتة الشريفة اجتهَدَ بالعمل الصالح اجتهاد المودِّع..

ومن أراد الآخرة، وسعى لها بسعي حثيث، وجهد بليغ، كان سعيه مشكورًا، وجزاه بما صبر جنات وحريرًا، خالدًا فيها، حسُنت مستقرًّا ومقامًا..
بقلمي : أختكم ضحى الغتم


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/102017/#ixzz46ynbRbbh




 ملاحظة : أمانة النقل واجب الجميع فإذا أعجبك الموضوع وأردت نقله يرجى احالته للمدونة .. وشكراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق